بحث هذه المدونة الإلكترونية

25‏/09‏/2010

أسطورة نركسيوس و إيكو





تعد أسطورة ( نركسيوس ) و ( إيكو ) من أشهر أساطير العذاب وأكثرها رومانسية ..

تبدأ الأسطورة بـ ( كفسيوس ) إله الأنهار ، الذي أراد أن يكون له نسل من البشر ، فخرج من مملكته النهرية ، وهام على الأرض ، إلى أن وجد حسناء تزوجها ، وأنجب منها ( نركسيوس ) ، وأعطاه جمال ( أفروديتي ) ، فعشقه الجميع من رجالٍ و إناث ، وكثر أصدقائه وأخذوا يتهافتون على الجلوس معه ، فأصابه الكبر والخيلاء وأصبح يتعالى على من هم حوله .

كانت ( إيكو ) فتاة يانعة ، رائعة الجمال ممشوقة القوام ، كانت تملك جمال الطبيعة ، وكان صوتها آية في الإبداع ، من يسمعه لا يمل منه أبداً ، وكثيراً ما كان الناس يأتون إليها خصيصاً كي يسمعوا صوتها 

وذات مرة رآها زيوس فنزل إلى الأرض مسرعاً ، واخذ يغازلها ، وكادت ( إيكو ) أن تطاوعه .. ولكن انشقت السماء وإذا بـ هيرا تهبط كي ترى إلى أين ذهب زوجها ، أسرع زيوس بالاختباء خوفاً من غضب زوجته .



ونزلت هيرا وتلفتت حولها لتجد ( إيكو ) ، فأسرعت إليها وسألتها عن زيوس ، فنفت ( إيكو ) وجود ( زيوس ) خوفاً من إفتضاح الأمر ، لأنها كانت تعلم أن هيرا لن تغفر لها إذا ما علمت حقيقة الأمر .. وصدقتها هيرا وعادت إلى السماء 

 ولكن إحدى جاسوساتها أخبرتها بالحقيقة فاشتعل غضبها ، وقررت معاقبة ( إيكو ) عقاباً شديداً ، فمنعت عنها حلاوة صوتها ، ومنعتها من الكلام نهائيا ، فقط تردد آخر ما تسمعه من كلام الناس 

أرادت ( إيكو ) أن تنتحر حتى تنهي من هذا العذاب ، ولكنها كانت تحب ( نركسيوس ) حباً شديداً ، فكيف تنتحر وتذهب إلى  هيدس  حيث العذاب الدائم

وأخذت تتبع ( نركسيوس ) وهى لا تستطيع أن تخبره بحبها ، فتظل تتبعه من بعيد وهو لا يشعر بها مطلقاً 

وفى إحدى الأيام كان ( نركسيوس ) مع أصدقائه في إحدى رحلات الصيد ، ولمح غزالاً فأخذ يتبعه إلى أن ضل الطريق ، ولكنه لم يضل عن عينا ( إيكو ) .. وعندما شعر بأنه ضائع ، وبدأ الجوع والعطش يظهران عليه 

 جلس على صخرة وصرخ مستغيثاً " يا رفاق الدرب .. أين أنتم ؟؟ .. أصابني الظمأ" .

وجدت ( إيكو ) نفسها تقول دون وعى منها " الدرب الدرب .. أنتم أنتم .. الظمأ الظمأ " 


 فشعر ( نركسيوس ) بألفة وذهبت الوحشة عنه قليلاً ، فوقف ونادى قائلاً " أنا ( نركسيوس)
 

فترد (ايكو ) : " ( نركسيوس ) "

فيظن ( نركسيوس ) أن أصحابه يبحثون عنه فيصيح " يا صاحبي .. أين أنت ؟ " 

فيسمع " أين أنت ؟ "

" أنا هنا بجوار الغدير ."

- " بجوار الغدير "

- “هل تسمعني ؟ "

- " تسمعني "

- " احضر إلي فوراً"

- " فوراً "

- " أنا أحتاج إليك "

- " إليك " .

وهكذا أخذ ( نركسيوس ) يصيح و ( إيكو ) تجيبه 

قررت أن تذهب إليه علها تؤنس وحدته ، وفعلاً ذهبت إليه وعندما شاهدها ، قال لها : 
 " أبتعدى .. من أنت ؟ "

" من أنت ؟ "

 " أنا تائه .. أتوسل إليك "

 " أتوسل إليك "

وفجأة عاوده كبريائه وغروره فقال لها : 
 " لا تقتربي منى "

 " منى "

 " لا أريدك "
 
 " أريدك "

"أموت قبل أن أكون بين يديك "

 " بين يديك "

 " لا تهفو إليك روحي "

 " إليك روحي "

وظلت تقترب منه فاتحة ذراعيها ، تريد احتضانه وأغمضت عينيها ، ولكنه قفز مبتعداً تاركاً إياها تسقط لتحتضن الصخور

أصاب ( إيكو ) جرح عميق في قلبها ، وذهب ( نركسيوس ) و استطاع العودة إلى منزله ، في حين ظلت هي تذبل وينطفئ نور وجهها ، وتموت ضحكتها .. إلى أن شاهدتها أفروديتي ربة الحب والجمال ، فنزلت إليها تمد إليها يد الحب 

 فنظرت إليها ( إيكو ) وهى لا تستطع الكلام لتشكو حزنها ، وانسابت من عينها دمعة دافئة تشيع روحها ، وماتت من فورها وتحول جسدها إلى رماد 

قامت ( أفروديتي ) فجمعت هذا الرماد ، وصعدت إلى أعلى الجبال ، ونثرت هذا الرماد في جميع أنحاء الأرض ، لتصبح ( إيكو ) الصدى الذي يردد الكلام ، ولا زالت كلمة " إيكو " تعنى الصدى في اليونانية واللاتينية 

أما ( أفروديتي ) فقرت الانتقام من ( نركسيوس ) ، ذلك الفتى الذي يستهين بالحب الصادق ، فاخفت زمزميته أثناء سيره بجوار النهر ، وحين شعر بالعطش مال إلى النهر الجاري بجواره ليشرب منه ، فتنبه إلى إنعكاس صورته في الماء ، ولم يعلم أنها صورته هو ، بل اعتقد أن هذا الوجه هو وجه إحدى بنات الحور ، وذلك لجماله الشديد .. فهام عشقاً بهذا الوجه (و اليه تنسب النرجسية أو حب الذات) 

وحاول كثيراً أن يقبل تلك الحورية ، ولكن ما إن تلامس شفتيه الماء حتى يهتز وتختفي الصورة ، فيظن ( نركسيوس ) أن الحورية غاضبة أو غير راضية عنه ، فيظل يناجيها ويعود لمحاولة تقبيلها فيهتز الماء



وهكذا مراراً و تكراراً ، حتى تحطم كبريائه وأخذ يتضرع إليها أن تجيبه ، ولكن دون جدوى ، حتى ظن أن الحورية تمارس نوعا من الدلال ، وأنها ترفضه ، فضرب بخنجره قلبه ، وقبل أن يموت مباشرة يهتف مخاطبا الحورية " وداعا يا من أحببت " فيجيبه رماد ( إيكو ) الذي يهيم في الهواء مرددا أخر ما يسمعه " وداعا يا من أحببت " ، ويموت !

وما إن يقع ميتاً ، حتى تخرج من الماء حورية حقيقية ، وتحرق جسده ، ومن رماد جسده تنبت زهرة جميلة يطلق عليها اسم 
( نرجس)

عندما مات الشاب جاءت حوريات الغابات إلي ضفاف تلك البحيرة العذبة المياه فوجدتها قد تحولت إلي مستودع لدموع مالحة..

فسألت الحوريات هذه البحيرة : لِمَِ تبكين؟

فردت البحيرة : أبكي على 
نركسيوس 

عندئذ قالت الحوريات للبحيرة : لا غرابة فنحن أيضاً كنا نتملى من جمال هذا الشاب في الغابة.. فأنت لم تكوني الوحيدة التي تتمتع بجماله عن قرب.

فسألتهن البحيرة : هل كان 
نركسيوس 
جميلاً ؟

فردت الحوريات في دهشة : من المفترض أنكِ تعرفين جمال 
نركسيوس 
أكثر منا، فقد كان ينظر إليكِ ليتمتع هو بجماله يومياً

فسكتت البحيرة لفترة ثم قالت : إني أبكي على 
نركسيوس 
، غير أني لم أنتبه قط إلي أنه كان جميلاً. أنا أبكي على 
نركسيوس 
لأنه في كل مرة تقولون أنتم أنه كان ينحني فوق ضفتي ليتمتع هو بجماله، كنت أرى أنا في عينيه طيف جمالي


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق