بحث هذه المدونة الإلكترونية

25‏/09‏/2010

أسطورة هرقل





هام ( زيوس ) عشقاً بالفاتنة ( ألكمين ) إحدى أميرات مملكة) هيلاس ) من البشر الفانين و زوجة (أمفيتريون)

لم يمنع زواج (ألكمين) زيوس من حبها و الافتتان بها ، بل و اقام معها علاقة أثمرت عن حملها بهرقل ، عاد (أمفيتريون) من الحرب لاحقا فى نفس الليلة، و أصبحت (ألكمين) حاملا فى إبنه فى نفس الوقت 

و كانت هذه الحالة من أغرب الحالات حيث تكون المرأة حامل لتوأم من قبل أبوين مختلفين
(هرقل ابن زيوس و يورسيوس ابن أمفيتريون) 

و فى ليلة ولادة التوأم ، علمت (هيرا) بشأن علاقة زوجها ، ودفعت (زيوس) لأن يقسم على أن الطفل الذى سيولد فى هذه الليلة لأحد أفراد بيت (أمفيتريون) سيصبح الملك الأعلى 

و سريعا بعد أن تم القسم أسرعت (هيرا) إلى مكان إقامة (ألكمين) و أبطأت عملية الولادة ، مستخدمة الآلهه (أليزيا) آلهة ولادة الأطفال التى جلست كجالسة القرفصاء و بلباسها ربطت عقد مسببة أنحصار هرقل فى الرحم، وفى نفس الوقت قامت (هيرا) بتسريع ولادة (يورسيوس) حتى يصبح الملك الأعلى بدلا من هرقل

وكانت ستؤخر ولادة (هرقل) بشكل دائم، ولكنها خدعت من قبل (جالانتس) خادمة (ألكمين) ، التى أخبرتها أن (ألكمين) وضعت المولود بالفعل مما جعلها تقفز فجأة، و ينحل العقد منها و تتم عملية الولادة دون قصد. 

فى الأصل سمى الطفل بإسم (ألسيدس) من قبل والديه، و قد أعادا التسمية إلى (هيراكليز) او (مجد هيرا) فى محاولة فاشلة لتلطيف و ارضاء (هيرا)

أعجب (زيوس ) بهرقل أشد الإعجاب ، فمنحه قوةً عاتيةً لم يمنحها لبشرٍ من قبل ، قوة تكفى لمحاربة الآلهة ذاتهم 

وقررت ( هيرا ) الانتقام كعادتها ، فأرسلت حيتين سامتين إلى مهد الطفل الرضيع ، وأمرتهما بقتله في مهده ، وتسللت الحيتين وهمتا بعضه ونشر السم في جسده ، وإذا بالطفل يفتح عينيه ويقبض على عنقي الحيتين ويجبرهما على ابتلاع سميهما ، وماتت الحيتان وهنا اكتشفت ( هيرا ) أن ( هرقل ) يمتلك قوةً رهيبةً .. قوة أثارت غيرتها إلى أقصى الحدود 

فغضبت على ( زيوس ) وقاطعته إلى أن يترك لها عقاب ( هرقل ) على ذنب لم يقترفه ، ولأن ( زيوس ) ذو شخصية ضعيفة أمام زوجته ، ولم يرد أن يظلم ابنه نصف الإله ، طلب منها أن توقعه في ذنب ما أولا ، وفى تلك الحالة سيكون لها حرية عقابه .


وحتى يتم العدل من وجهة نظر ( زيوس ) أرسل ( هرقل ) إلى ( شيرون) زعيم القناطير ( و هو مخلوق خرافي نصفه السفلى حصان والنصف الأعلى رَجُل) حتى يعلمه كل فنون القتال ، وكيفية استخدام كل أنواع الأسلحة

وعندما أتم ( شيرون ) تعليم ( هرقل ) ، أعطى ( زيوس ) إشارة لـهيرا كي تبدأ مكيدتها 

وبالفعل أرسلت له ( هيرا ) فتاتين ، إحداهما محتشمة ترتدي من الملابس ما يخفى فتنتها ، وينطق وجهها بالخجل ، أما الأخرى فكانت تردى ملابس شفافة تظهر كل مفاتنها ، وتنطق حركاتها و سكناتها بالرغبة الشديدة .. كانت المحتشمة تدعى ( أريتيه ) ربة الفضيلة ، أما الأخرى فهي ( كياكيا ) ربة الرغبة ، وأخذت كل واحدة تعرض عليه نفسها بما فيها من مميزات 

واختار ( هرقل ) ( أريتيه ) التي وعدته بالطهر والنقاء والحياة الطيبة المليئة بمساعدة المظلومين والضعفاء .

وانطلق ( هرقل ) معها حتى وصل إلى ( طيبة ) اليونانية و أحبه ( كسريون ) ملكها وزوجه من ابنته الفاتنة ( ميجارا ) ، وصار ( هرقل) وزيرا لـ ( كسريون ) ، و أخذ يساعد الفقراء والمظلومين من سكان المدينة

و هكذا نجح ( هرقل ) في أول الشراك التي نصبتها له ( هيرا ) فلم يتبع ( كياكيا ) ، واستشاطت ( هيرا ) غيظاً .

ولم يمض وقت قليل حتى وضعت ( هيرا ) خطة غاية في الدهاء والمكر ، وبينما كان ( هرقل ) نائماً وقد وضع يده على كتفي زوجته ( ميجارا ) ، جاءت ( هيرا ) واندست في دفء الفراش الوثير فأبعدت الزوج عن زوجته ، وراحت توسوس له في أحلامه ، فتحول الحلم الجميل إلى كابوس ورأى ( هرقل ) زوجته في أحضان رجل. 

وتغير وجه ( هرقل ) وهو نائم و استيقظ والدم ينضح من عينيه وأطبق على عنق زوجته التي استيقظت مذعورة على صوته وهو يقول " يا خائنة " ، وحاولت المسكينة أن تتحدث ولكن قوة (هرقل) الجبارة لم تمهلها ، فكسرت عنقها وماتت بين يديه ، وهنا أفاق ( هرقل ) و أخذ يبكى زوجته القتيلة ، وأخذ يدعو ( زيوس ) أن يسلب قوته ويشل يداه و يعمى بصره فقط ليعيد إليه زوجته 

وعصفت السماء وهاجت الرياح ، ونزل (هرمس) رسول الآلهة حاملا تعزية ( زيوس) لابنه .. 

وجاءت ( أريتيه ) وأخذت تربت على وجهه ، وأخبرته أن هذا انتقام ( هيرا ) منه ، فسألها كيف يستطيع أن ينجو من هذا الانتقام ، فأخبرته أنها سمعت أن (هيرا ) أخبرت ( زيوس ) أنها مستعدة أن ترفع يدها عنك على أن تكون خادماً لعدوه اللدود (يورسيوس) و الذى أصبح ملكاً بدلا منه عشر سنوات ، ولكن ( زيوس ) نجح في اقناعها أن تكتفي بسنة واحدة . 

و هنا عرف بقية آلهة الاوليمب ما سيلاقيه هرقل من صعاب و مشاق فاسرع كل منهم لتقديم يد العون اليه:
منحته الربة"اثينا" خوذة لراسة
و منحه "هرمز" سيفا حادا
و منحه " ابوللو" سهما و قوسا 
و اعطاه "بوسيدون" جوادا
و وهبه" هيفايستوس" حذاء من نحاس
و حتى "زيوس" قدم له درعا قوية رائعة 

قام ( هرقل ) من فوره وجد في السير حتى وصل إلى (يورسيوس) ، وكان هذا الأخير يعانى من عقدة تمثلت في قصره الشديد و ضآلة حجمه ، فعقد العزم عل أن يذل ( هرقل ) 

وأخبره (يورسيوس) أن عليه القيام بأثنى عشرة مهمة وبعدها يعود حراً مرة أخرى 

يقال أنه توجب على هرقل القيام بعشر مهمات فقط ، و قد أدى هرقل هذه المهام بنجاح، ولكن يورسيوس إدعى بأن تننظيف زرائب (اجوياس) و قتل هيدرة ليرنا لم يقم بهما وحده ففرض عليه مهمتين أخرتين أضافيتين و الذى أداهما هرقل بنجاح

المهمة الأولى

أسد نيميا 

ونيميا هذه غابة مليئة بالكنوز والجواهر ، ولكن يسكن بها أسد ضرغام ، يتحكم بكل مداخلها ومخارجها ، وكان هذا السبع يفوق كل تصور .. لقد كان في حجم الفيل وسرعة النمر وخبث الثعالب ولبدته من الأشواك النارية السامة 

دخل ( هرقل ) الغابة وذهب إلى عرين هذا السبع مباشرة و صرخ مناديا " يا سيد الوحوش .. لقد حان أجلك وأزفت ساعتك ".

خرج الأسد إلى ( هرقل ) ولم ينتظر بل قفز مباشرة في مواجهة ( هرقل ) الذي هاله الحجم الرهيب ، ولكنه تماسك ومد يده إلى سيفه ليجد أنه اختفى ، ويعلم أن ( هيرا ) أخفته حتى تزيد مهمته صعوبة 

ونبش الأسد مخالبه في جسد ( هرقل ) الذي استدعى قوته الجباره وحمل السبع بيديه وقذفه بعيداً ليسقط على الأشجار يحطمها ، وجرى في سرعة فأنتزع شجرة من جذورها بقوته العظيمة ثم قسمها نصفين ليجعل بها طرف حاد ، وقبل أن ينهض الأسد من سقطته كان ( هرقل ) قد قذف نصف الشجرة فاستقر في كتف السبع الذي خارت قواه .

أسرع ( هرقل ) على السبع قبل أن يفيق من الإصابة و أمسكه من ذيله وأخذ يدور به عدة دورات في الهواء ، قبل أن يقذفه مرة أخرى ، ثم ذهب إليه وأسرع يفتح فكه متجنباً أن تجرحه أشواك لبدته السامة ، ثم استطاع أن يفصل فكي الأسد وتركه وهو جثة هامدة

حمل هرقل جثة الاسد بعد ان سلخ جلده و ارتداه و راح يمشى فى شوارع ارجوس مخترقا الطريق الى قصر الملك و اخذ الناس يلتفون حول البطل يحيونه و يصفقون له و دخل هرقل على الملك و رفع جثة الاسد بيديه و اخذ يؤرجحها بقوة ثم القى بها بين قدمى الملك

فقال له (يورسيوس) وهو يشعر بحقد شديد " لولا مشاغل الحكم لكنت فعلت ذلك بنفسي منذ زمن"

و قبل ان ينهض اعطى اومره بعدم السماح لهرقل عند عودته من اى مهمة باجتياز ابواب المدينة و لكن عليه ان يقف خارج الاسوار و يقدم تقريرا بما قام به.





المهمة الثانية 

هيدرا ليرنا 

كان هذا الوحش هو افعوانا ضخما و له سبع رؤوس مليئةً بالأنيابِ والسم الزعاف و قد اتخذ من مستنقعات ليرنا مأوى يعيش فيه ولا يغادره الا للبحث عن فريسة و لم يتكمن أحد فى بلاد اليونان من القضاء على هذا الوحش الرهيب

وذهب هرقل وغاص في المستنقعات يبحث عن الأفعوان ، وفجأة خرجت من الماء ، وقطع (هرقل ) الرؤوس الثلاث الأولى بسيفه في ضربةٍ واحدة قوية ، لتظهر اللعنة الهائلة 

فمن موضع كل رأس مقطوعة نبتت سبع رؤوس جديدة فأصبح عدد الرؤوس خمسة وعشرين رأساً ، فتراجع هرقل قبل أن يهجم مرة أخرى وهو لا يدرى ماذا يفعل ، فما كان من وسيلة الا ان يهاجم الوحش بهراوته ليسحق الرأس دون ان يبترها الا انه لم يحرز نجاحا قط ، و هنا لجأ الوحش الى الاختفاء فى مياه المستنقع و لم يجد هرقل بدا من ان يؤجل مهمته بضع ساعات

اخذ هرقل يفكر فى وسيله للقضاء على هذا الوحش ، و هنا ذهب الى حداد صنع له قضيبين من حديد لكل منهما طرف عريض, و اشعل على حافة المستنقع نارا قوية و وضع طرفى القضيبين فيها حتى توهجا و كان قد طلب من تابعه (أيولاس) ان يسرع خلفه باحد القضيبين ، فكلما بتر رأسا من رؤوس الوحش ، اسرع (أيولاس) فكوى مكان الرأس المبتور بالحديد المحمى قبل ان تظهر الرؤوس.

و دام هذا القتال الرهيب يوما كاملا ، و لم تنبت للوحش فى تلك المرة رؤوس أخرى ، بل راحت الرؤوس تتناقص ، و القضيب المحمى لا يدع الفرصة لخروج غيرها حتى سقط اخر رؤوس الوحش و غمر دمه سطح المستنقع كله . 

و هنا اسرع هرقل ( و هو يعلم ان ذلك الدم سم زعاف) فغمس أطرف بعض سهامه فيه لتصير مسمومة لا يبرا من جرحها مخلوق



المهمة الثالثة 

ظبي سيرينا

كان على هرقل أن يأتى بالغزال الأركادى المقدس حيا, و يقدمه (يورسيوس) و كان غزال أركاديا المقدس ذو القرون الذهبية و الحوافر النحاسية, معبود ارتيميس ربة الصيد و التى منحته سرعة فائقة , فلا الخيل تلحقه ولا الريح تسبقه

و هنا تذكر هرقل الحذاء النحاسى الذى كان (هيفايستوس) قد منحه له و بذلك لم يجد إلا هذا الحذاء عونا له على السباق الرهيب الذى كان عليه ان يؤديه حتى يستطيع اللحاق بهذا الغزال العجيب

و كان السباق عجيبا و قويا فى نفس الوقت , فهو سباق شاق بين حذاء نحاسى مقدس و حوافر نحاسية مقدسة أيضا ، و أثناء السباق ,كان كل ذلك النحاس يحدث رنينا هائلا فوق الحقول و الجبال و ظل هذا الرنين يملأ أجواء الارض أياما و أسابيع و أشهرا 

كل هذا و الغزال يمرق هاربا فى سرعة رهيبة و هرقل يطارده مجتازا الجبال و البحار و المحيطات ، و هكذا حتى قاما بدورة كاملة حول العالم و عادا مرة اخرى إلى بلاد اليونان ، و هنا كان الغزال قد أصابه التعب و بدأت سرعته تهدأ و بدأت قوته تضعف و أخذ هرقل يقترب منه رويدا رويدا حتى بلغه و وصل إليه 

و حين هم بالقبض عليه أحس بالارض تهتز تحت قدميه و سمع خلفه صراخا رهيبا ، و هنا وجد (ارتيميس) وراءه و كانت غاضبة و تصرخ فيه بشده: أأنت الذى تحاول خطف معبودى ؟ ألا تعلم أننى لو شئت لأرديتك بأحد سهامى؟

فخر هرقل ساجدا تحت قدميها و تضرع إليها قائلا: أيتها الربه أننى لا أفعل ذلك من تلقاء نفسى، و لكنها مهمة قد أمرت بانجازها ليرضى عنى زيوس رب الارباب و أنا لا أريد سوءا بالغزال و انما مهمتى أن أخذه حيا الى (يورسيوس) و أقدمه له فتنتهى مهمتى و أعيده لك فى سلام و امان

انحنت (ارتيميس) و اخذت تداعب غزالها المرهق و تربت على عنقه و قد أبصرت الصدق فى عينى هرقل , و هنا تذكرت انها لما تقدم له اى عون او مساعدة يوم صدر الحكم الظالم ضده ، فقررت ان تساعده بالسماح له ان ياخذ الغزال الى (يورسيوس) بشرط ان يعيده اليها سالما بغير جراح , و قد كان هذا ما حدث

فاتم هرقل مهمته كما أمر ، و اثار الرعب فى قلب الملك حتى استسلم و تخلى عن الغزال بعد ان كان مصمما على الاحتفاظ به

و عاد الغزال الاركادى المقدس حيا حرا يجرى و يلعب ولا يستطيع احد الاقتراب منه قط



المهمة الرابعة

خنزير أريمانثوس

كان هذا الخنزير الضخم يعيش قريبا من جبل (اريمانثوس) باركاديا و كان يثير الرعب فى قلوب الاهالى حتى هجروا ارضهم و تركوها له يعيث فيها تخريبا و فسادا دون ان يجرؤ احدا منهم على التعرض له خوفا من بطشه الرهيب

و كأنما ادرك الملك (يورسيوس) ان هرقل عنده المقدرة على قتل هذا الوحش الهائل بسهولة و لذلك لم يترك له الفرصة للقضاء عليه و امره ان يحضره له حيا ، و هذا حتى يكلف هرقل بمشقة شديدة قد تؤدى الى هلاكه

و انطلق هرقل حيث يكمن هذا الخنزير و كان معه كلاب صيد كثيرة ليستعين بها على مطاردته حتى يصيبه بالاجهاد و يتكمن ان يقبض عليه حيا و هنا احس الخنزير بكثرة اعدائه من الكلاب فخرج من مكمنه و اخذ يصعد الجبل و الكلاب من ورائه و هرقل فى اثرها بتتبع آثار اقدام الوحش 

و كلما استمر الوحش فى صعوده اختفت آثاره بسبب الجليد المتساقط على أعالى الجبل و قد كان ذلك عائقا لهرقل و كلابه عن التقدم السريع ، و مضت بهم الايام و الاسابيع و الوحش لا يزال مندفعا فى صعوده و هرقل و كلابه يتبعونه و التعب قد ادركهم جميعا و كادوا يسقطون صرعى الجهاد و الاعياء

و هنا اضطر هرقل الى التوقف و اخذ يفكر فى وسيلة يصل بها الى هدفه ، فراى انه من العبث الاقتراب من الوحش و مصارعته بيديه لما لهجماته من عنف و شراسه و ما لانيابه من حدة و قوة ، كما ادرك انه من العبث متابعته و محولة امساكه على ارض صلبة يسطيع ان يصول فيها و يجول

و هنا ادرك هرقل ان طريقه الوحيد هو ان يدفع بالوحش الى اماكن جليدية ذات مغارات عميقة يسهل ان يقع فى احداها و يكون من السهل بعد ذلك الامساك به حيا 

و قام هرقل بتدبير الامر و اطلق كلابه خلف الوحش بحيث تضيق عليه و تدفعه الى الممرات العالية للجبل و استمر الحال كذلك فى مطاردة عنيفة خمس ساعات فاجهد الخنزير و بلغ التعب به مبلغه و لذلك لم بنتبه الى مغارة عميقة كانت تمتد امامه فانكفأ على وجهه و سقط فيها صارخا صرخة هائلة اهتز لها الكون كله

و كانت تلك هى الفرصة التى انتظرها هرقل طويلا فاندفع الى الهوة العميقة و القى على الخنزير شباكه و حمل البطل صيده الرهيب و سار فى طريقه حتى بلغ ابواب القصر

و عندما وصل هرقل كان الحارس يغط فى نوم عميق فتسلل البطل بحمله الى الداخل و واصل سيره حتى وصل الى قاعة العرش حيث يجلس الملك (يورسيوس) و كان قد ضاق بحمله الثقيل فالقى به من فوق ظهره و فك الشبكة التى تحيط به

و اخذ الملك يحملق فى الوحش الذى بدا يستعيد رشده و هنا فوجىء الملك بالوحش يدور حول نفسه و ينفخ بمنخاريه استعدادا للهجوم و هنا ملأ الرعب قلب الملك فانطلق هاربا و من خلفه الخنزير الثائر و هرقل يكاد يقع ارضا من شدة الضحك

و لم ينقذ الملك الخائف الا دخوله احد حجرات القصر و اغلاقها من خلفه ، و منذ ذلك اليوم اذادادا كرهه لهرقل و قرر ان يكلفه بمهما وضيعة تحط من كبريائه مدى الدهر



المهمة الخامسة

تننظيف زرائب (اجوياس) امير(اوليس)

و قد كانت تلك المهمة هى احقر المهام التى كلف بها هرقل ، فقد كانت تلك الزرائب و التى تقع على جبل (اوليمبس) تضم قطيعا من الثيران يتجاوز عددها ثلاثة الاف راس غير بضعة الاف اخرى من الماعز ، و قد مرت سنون طويلة تجاوزت الثلاثين و تلك الحظائر مهملة لم يهتم احد بتنظيفها قط ، حتى انبعثت منها روائح كريهة و تراكمت تلال الروث فوق التربة حتى افسدتها ، و تآكلت اخشاب الحظائر حتى انهارت سقفها و حوائطها كلها

و تعجب هرقل كثيرا و هو ينظر الى تلك الحظائر الواسعة و كيف يصمم (يورسيوس) على ان يتم تنظيفها كلها فى يوم واحد ، و لكنه لم يصيبه اليأس و اخذ يفكر طويلا و هو يصعد التل حتى وصل الى قصر(اوجياس) فتقدم منه و قال :أى اوجياس ، انا قادم اليك بامر من (زيوس) لانظف حظائرك و ازيل اقذارها

و هنا ضحك (اوجياس) و قال له ساخرا: و لكن هذا عمل يفوق طاقة اى بشر ، فقد كلفت مائة من اشد رجالى القيام بتلك المهمة و قد ظلوا يعملون لمدة شهر و كانت نتيجة هذا العمل الشاق كما ترى ، فقد اصبحت الزرائب اقذر مما كانت عليه من قبل.

فضحك هرقل و قال: و لكنى اراهنك على ان انجز تلك المهمة فى يوم واحد فكيف تكافئنى اذا اديت المهمة بنجاح؟

فاجابه(اوجياس) : سوف اعطيك عشر ما املك من ماشية و اغنام

فوافق بطلنا و قال لاوجياس: اذن مر رعاتك بان يخلوا الحظائر مما فيها من ثيران و ماعز و يخرجوهم بعيدا عن الوادى ، لان الارض ستهتز و انا اقوم بتنظيف الحظائر دفعة واحدة. 

و لم يكن هرقل كاذبا فى قوله, فقد انطلق و بيده معول ضخم الى مكان كان قد اختبره جيدا على جانب نهر بنيوس الصغير ، و هناك اخذ يضرب بمعوله ليحول مجرى النهر الى سفح التل حيث تقع الحظائر

و هنا انحدرت مياه النهر بعنف الى اسفل, و اخذت تكتسح ما امامها فى سرعة عظيمة حتى تصب اخر الامر فى مجرى نهر قديم كان هرقل قد اكتشفه فى بطن الوادى

و اخذ هرقل يضحك بشدة و هو يرى المياه تكتسح الاقذار من الحظائر فى لحظات ، و عندما تاكد ان كل شىء قد تم كما اراد ، عاد يضرب بمعوله مرة اخرى فسد الثغرة التى كان قد فتحها فى شاطىء نهر بنيوس و عندما انتى من وقف الفيضان

انطلق الى (اوجياس) و طالب بالمكافأة و لكن (اوجياس) رفض متعللا بان النهر هو الذى اتم المهمة و ليس هرقل ، فسكت هرقل و انطلق عائدا بعد ان قال له: فلتحذر منى يا (اوجياس) فان عشر اغنامك التى منعتها عنى لا تساوى مقعد عرشك الكبير 

و قد تحقق تحذير هرقل ، فبعد سنوات ذهب هرقل لمحاربته و قتله





المهمة السادسة

قتل طيور(ستيمفاليان) المتوحشة 

و قد كانت تلك الطيور تبنى اعشاشها فى جزيرة وسط بحيرة قريبة جدا من ستيمفاليان و كانت ذات مخالب و اجنحة و مناقير من نحاس كان غذاؤها هو لحم الانسان الذى تهاجمه حتى تقضى عليه ثم تحمله الى الجزيرة لتعيد الكرة مع غيره من البشر

كانت مهمة هرقل رهيبة تلك المرة و لكن الالهة جميعا كانت تناصره و لم تتركه 

فقد اطل هرقل و اذا به يرى امامه الربة (منيرفا) قادمة و معها الة نحاسية يثير صليلها الرعب فى النفوس و عرف هرقل ان ما عليه سوى ان يهز تلك الالة فتنزعج الطيور و تخرج من اعشاشهاو هنا يتمكن من اصابتها بسهامه السامة و يقضى عليها بسهولة

و بالفعل قام هرقل بما امر به و نجح فى اخراج الطيور من اعشاشها و اخذ يصوب اليها سهامه المسمومة 

و لم تكن تلك المهمة بالسهولة التى تخيلها هرقل, فقد كان عددها كبيرا و لم يكد يسقط بعضها حتى تحولت نحوه سحابات كثيفة منها تهاجمه فى قسوة و تحاول القضاء عليه

و هنا بدا هرقل يتراجع و اخذ يضربها بهراوته ذات البروز محاولا الدفاع عن نفسه فتراجعت الطيور قليلا و لكنها عادت تنقض عليه فى ضراوة فايقن هرقل انه هالك لا محالة

و فجأة و قد بدا الياس يتسلل الى نفسه و بدا فى الاستسلام , وجد درعا ذهبية تحول بينه و بين تلك الطيور المتوحشة و سمع صوت الربة (اثينا) تقول له: ارسل سهامك يا هرقل و انجز مهمتك الشاقة فدرعى تحميك و شجاعتك تستحق حمايتى و تشجيعى

و قام هرقل باداء مهمته على اكمل وجه و انتهت المعركة بالقضاء على كل الطيور المتوحشة و عاد هرقل منتصرا الى (يورسيوس)



المهمة السابعة 

القضاء على ثور كريت

كان هذا الثور منحة قدمها اله البحر (بوسيدون) لملك كريت ليقدمها قربانا فوق مذبحه ، الا ان روعة جماله سولت للملك ان يقدم للقربان ثورا اخر و ان يخفى هدية رب البحر فى احد مخابىء القصر.

و ادرك (بوسيدون) ما كان من امر الملك فثار غضبه و قرر ان يصيب الثور بجنون مسعور ليكون لعنة على صاحبه و اصبح الثور لعنة حقا ، فقد اخذ يحطم كل شىء فى الجزيرة و لم تعد تعوقه حواجز ولا اسوار و دب الرعب فى قلوب الاهالى.

و انطلق (هرقل) ليؤدى مهمته و لم يكن يحس ضيقا بعمله فى هذه المرة , بل لقد احس ان العمل الجديد لن يكون شاقا فمن السهل عليه ان يهاجم ثورا مهما تكن قوته و ان يمسك به و يكسر شوكته ثم يعود الى (يورسيوس) بالثور و قد صار وديعا كالحمل و على هذا النحو اتم هذه المهمة فعلا.



المهمة الثامنة

احضار خيول (ديوميد) الى اسوار(طيبة)

و قد كانت هذه الخيول خيولا مفترسة تعيش على اكل لحوم البشر و كان يحتفظ بها فى (تراقيا) حاكم ظالم بالغ القسوة و الاستبداد اسمه(ديوميد) و قد كان يطلق تلك الخيول على قومه كلما اراد ان يتمتع بشىء من التسلية.

و احس هرقل باحتقار شديد للحاكم الجبان فارسل الى بعض اصدقائه الشجعان ليعاونوه فى مهمته و انطلقوا جميعا الى (ديوميد) فانقضوا عليه و اعتقلوه و قرروا ان يسقوه من نفس الكاس اللتى طالما سقاها للناس ، فالقوا به الى خيوله التى اخذت تركله و تلعب به و تتقاذفه فيما بينها قبل ان تنهش جسده كما نهشت من قبل اجساد رعيته.

اما الخيول نفسها, فلم يجد هرقل و اصحابه بعد ذلك مشقة فى ان ينازلوها واحدا واحدا و كل منهم يحمل هراوة و انشوطة و استطاعوا بذلك ان يقودوها جميعا الى (يورسيوس) الذى امر بها فالقيت على منحدرات جبل (اوليمبوس) حيث لا تخطو اقدام بشر.





المهمة التاسعة

الحصول على زنار (هيبوليت) ملكة نساء الامازون

كانت الامازون هى امة من النساء تقطن قريبا من مكان شروق الشمس و كن يكرهن الرجال, ولا يسمحن لاحد منهم بالنزول فى ارضهن و من اجل ذلك تدربن على حمل الرماح و قذف السهام حتى برعن فى فنون القتال براعة فائقة و لذلك أحس هرقل بصعوبة تلك المهمة و لكنه ابى ان يتراجع عنها.

فى تلك المهمة القى هرقل سلاحه جانبا و قرر ان يستخدم براعته فى العزف على القيثارة و طلاقته فى الحديث الرقيق و العبارات الخلابة و هى مؤهلات تجذب النساء و خاصة اذا كن قد سمعن عن المعجزات البطولية التى حققها هرقل.

و هكذا لم يجد هرقل اى صعوبة فى الدخول الى بلاد الامازون بل و لم تمض بضع ساعات حتى حتى دعته (هيبوليت) الى قصرها ، و عرضت عليه صداقتها و حبها 

و دخل هرقل الى بهو القصر الذى ترابط امامه حارسات مدججات بالسلاح و كلهن فتيات فارعات القوام ، تتوثب اجسادهن حيوية و قوة و شبابا 

اطل هرقل امامه و اذا بهيبوليت تنتظره فى ثوب رائع من النسيج الذهبى و شعرها الذهبى الطويل مسترسل فى نعومة ليس لها مثيل فوق كتفيها ، يلتف حوله زنار رائع الجمال مرصع بالجواهر النفيسة التى لم ير قط مثلها فى بلاد اليونان و كانت تبدو و كانها شعاع يخرج من الشمس.

و ابتسمت هيبوليت و هى تستقبل هرقل مرحبة: مرحى بك ايها البطل المغوار لقد بلغتنى انباء اعمالك الخارقة و شجاعتك الفائقة و انتصاراتك فى كل الميادين و من اجل لاذلك لن احملك مشاق جديدة لتتمكن من الانتصار على (هيبوليت) ، فخذ بيد الصداقة ما لا يمكن اخذه بالقوة و ها هو ذا زنارى الذائع الصيت ، اهديه اليك طوعا و اختيارا

و هنا انحنى هرقل و قدم لاول مرة خلال مهامه الشاقة فروض التبجيل و الاحترام للملكة (هيبوليت) التى تنازلت عن زنارها العجيب.

و عاد هرقل منتصرا و قدم الزنار الى (يورسيوس) الذى لم يفرح للزنار الذهبى و لكنه غضب بشدة من ذلك الانتصار السهل الذى حققه هرقل بغير مشقة او جهد و بدون التعرض للمهانة و المذلة التى كان ينشدها له.



المهمة العاشرة 

الرحيل الى (قادش) للقضاء على وحش (جيريو) و الاستيلاء على ثيرانه

كان (جيريو) هذا وحش له ثلاثة اجسام, و ثلاثة رؤوس , و ستة اذرع ..يحرس ثيرانه كلب عملاق له رأسان, يعدو بسرعة الريح, و عندما ينبح يهتز الفضاء كله

و نسى (هرقل) نفسه و هو واقف على الشاطىء يتامل ( جيريو) و كلبه ,و يضحك ملء شدقيه. 

و هنا احس (جيريو) باقتراب عدوه فمد اياديه الستة كلها و امسك بصخرة هائلة, ثم رفعها و القى بها مرة واحدة على هرقل ، و لكن ( هرقل) تحول فجأة عن طريقها و القى بنفسه فى خفة بين الامواج ، ثم استدار فى سرعة الى قوسه و سهامه السامة 

و اطلق منها ثلاثة اصاب كل منها جسما من اجسام (جيريو) فى مقتل .. فخر مضرجا بدمائه ، و صوب سهمين اخرين الى راس الكلب العملاق فسط بجوار سيده 

و هنا اتجه هرقل الى الثيران فجمعها و ساقها الى السفينة, و اقلع عائدا الى (يورسيوس)

و كاد (يوريسيثوس) ان ينفجر غيظا و حقدا لانتصارات هرقل المتتالية و ذيوع صيته, و خشى على نفسه و عرشه من نفوذ هذا البطل الذى اصبحت تصفق له بلاد اليونان كلها و تظهر تعاطفها معه .

و قرر ان تكون المهمة الحادية عشر لهرقل شاقة و فى مكان بعيد صعب الوصول اليه.



المهمة الحادية عشر

أحضار تفاحات الهسبيريديا الذهبية

لم يكن هرقل يعلم مكان تلك الحديقة , فراح يضرب فى مشارق الارض و مغاربها ، حتى التقى بحوريات على ضفة نهر فى ايطاليا ، قلن له: ان الاله العجوز (نيريوس) الذى يسكن على شاطىء بحر ايجه هو الوحيد الذى يمكنه ان يدله عليها.

و انطلق هرقل الى (نيريوس) الا ان هذا رفض ان يرشده و تحول الى جراده سوداء ، سرعان ما قفزت لنخنفى من وجه البطل

و هنا انتبه هرقل ، و مد يده بسرعة و اطبقها على الجرادة ، فاذا بها تتحول الى ثور ضخم تقهقر الى الخلف قليلا و اندفع بقرنيه الحادين الى (هرقل).. فحاد هرقل عن طريقه, و التف حول الثور و قبض على قرنيه بيدين من حديد ، و لوى عنقه بشدة خار لها الثور خورارا مروعا و لم يحتمل وطأة الالم القاسى ، فعاد تدريجيا الى طبيعته الاولى. 

ثم جثا اما هرقل معلنا استعداده لاجابته الى طلبه و اخبره ان يتوجه الى جبل شامخ فى افريقيا يجلس الملك (اطلس) فوق قمته و الذى قضت الاله عقابا له منذ ازمان بعيدة بأن يحمل السموات فوق كتفيه

و تقدم هرقل الى (أطلس) ، و عرض عليه ان يحمل عنه السموات حتى يسترد قوته و نشاطه ، مقابل ان يحضر له تفاحات( الهسبيريديا)

و بالطبع وافق أطلس على الفور ، و انحنى هرقل قليلا ، فنقل (اطلس) السموات الى ظهره و انطلق ليحضر التفاحات من حديقتها

غاب الملك بضعة ايام متعمدا ان يطيلها قدر امكانه و عندما عاد من مهمته زعم لهرقل انه استغرق كل هذا الوقت فى البحث عن مطلبه. 

و اراد (أطلس) ان يتحلل من اتفاقه و يتنصل منه ، فاخذ يساوم هرقل فى ان يبقى حاملا للسموات بدلا منه و اخذ يمنيه بالوعود و الامانى المعسولة.

كل هذا و هرقل يعمل فكره ليعتدى الى وسيلة تخلصه من ذلك المأزق و هنا التفت هرقل الى (اطلس) قائلا: انه لشرف كبير ذلك الذى اغدقته على بحمل السموات ايها الصديق ، و اى فخر سيضفيه هذا الشرف على اسمي ، لقد قبلت ان ابادلك ، الا ان الحمل ثقيل لا احتمل بقاءه فوق عظامى المجردة ، فاحمله عنى قليلا ريثما احضر وسادة ناعمة من الريش تخفف عنى وطأة الثقل. 

و انحنى (اطلس) بسرعة فى سعادة و نشوة و وضع التفاحات جانبا و هو ينقل السموات الى ظهره ، ثم اوصى هرقل بالا يغيب و الا اصبح اتفاقهما منقوضا.

و اطمأن هرقل الى ان خدعته نجحت ، فمد يده الى التفاحات و اختطفها و عاد الى (يورسيوس)



المهمة الثانية عشر و الاخيرة 

احضار الكلب (سيربيروس) حارس ابواب العالم السفلى

و كانت تلك المهمة شاقة حقا ,تفوق فى قسوتها المهام الاحدى عشر كلها مجتمعة و رغم ذلك انطلق هرقل اليها فى جرأة عجيبة و شجاعة يحسد عليها و استخفاف ظاهر بتلك المهمة العصيبة

وصعد جبال(اركاديا) الى النبع البارد و الذى تنحدر مياهه الى وادى (نهر ستكس) و الذى يصب بدوره فى الوديان السفلية المجهولة.

و بالرغم من معرفة هرقل بمدى عنف هذا النهر و صعوبة امواجه و قسوتها التى تفل الحديد ، الا انه حزم امره و عقد عزمه و القى بنفسه فى دوامة النهر الجارفة ، فحملته باسرع من لمح البصر من طبقة سفلية الى اسفل منها

حتى وجد نفسه خلال لحظات فى (بحيرة ستكس) و هناك على حافة البحيرة كان (شارون) ناقل الارواح الازلى ، قابعا الى جوار قاربه المصنوع من لحاء الشجر مرسلا بصره النافذ يتفحص القادمين لينقلهم الى أغوار العالم السفلى

و لمح (شارون) هرقل فتعجب من امره و قال له: أى ريح قذفت بك ايها الحى الى هنا؟ ابتعد عن هذا المكان، فان قاربى لا يحمل الا الموتى

فأجابه هرقل: أنا هرقل بن (زيوس) رب الارباب ، كفنى ابى ان انفذ اوامر(يورسيوس) التى تقضى بان اعود اليه و معى الكلب (سيربيروس) 

و هدأ روع (شارون) و اقترب بزورق الموتى من هرقل و دعاه الى الكوب بجانبه.

و لم يكد الزورق يصل الى الشاطىء الاخر، حتى قفز منه هرقل و اتجه ناحية مدخل ( قصر بلوتو) المظلم

و على ابواب العالم السفلى، ربض الكلب (سيربيروس) ذو الرؤؤس الثلاثة ، و حين احس بقدوم هرقل اخذ كعادته فى ارهاب الارواح ، ينبح نباحا اجش منكرا فى قسوة و وحشية

و لم يعبأ هرقل و تقدم فى جراة اذهلت الكلب عن مهمته ، فاخذ يتقهقر الى الوراء كلما خطا البطل الى الامام ، حتى وصل الكلب الى قاعة (بلوتو) و عيناه تحدقان فى القادم الغريب الذى لم يهابه و لم يخاف نباحه.

و كان (بلوتو) رب العالم السفلى جالسا على عرشه الابنوسى المرتفع المهيب والى جواره حبيبته (برسيفوني) التى خطفها من امها

و حين ابصر (بلوتو) هرقل قادما، عبس فى وجهه و صاح فى غضب: كيف تجرأت على دخول مملكتى ايها الحى؟

فأجاب هرقل فى ترفع و شجاعة: انا هرقل ابن (زيوس) امرنى (يورسيوس) بأن آتيه بالكلب (سيربيروس) حارس الابواب السفلى.

و أدهشت تلك الجرأة (بلوتو) ، و قال متسائلا: أمجنون انت ؟ كيف تطلب منى أن أعطيك كلبى.. من اذن يحرس أبواب المملكة ؟

فأجابه هرقل: انه أمر (زيوس) و لابد من تنفيذه.. لقد كلفت قبل ذلك احدى عشر مهمة فنجحت فى اتمامها جميع ا، و لم تبق امامى سوى هذه المهمة الاخيرة ، و ان لديك من الحراس عددا كبيرا يستطيع ان يؤدى عمل (سيربيروس) و اظن ان خيرا لك ان آخذ (سيربيروس) بدلا من ان اهدم مملكتك على رؤوس سكانها.

و انتفض (بلوتو) ، و ادرك انه خير له ان يجيب طلبه فقال فى هدوء: لا بأس ، خذ (سيربيروس) و لكنى استحلفك ان تعيده الى.

و مد هرقل يده ، و ربت على ظهر الكلب الذى الذى استكان له ، و قاده هرقل و مضى عائدا مرة اخرى الى عالمه، عالم الاحياء. الى قصر(يورسيوس) و ما كاد الاخير يرى الوحش حتى غاض الدم من وجهه ، و صرخ فى رعب شديد طالبا اعادة الكلب الى عالمه.

و هنا احس هرقل لاول مرة و هو ينطلق عائدا الى عالم الارض براحة غامرة و خاصة بعد ان رد (سيربيروس) الى (بلوتو) و تنفس الصعداء حين بات حرا طليقا ،و قد سقطت عنه عقوبة الخضوع ليوريسيوس بعد ان ادى المهام الاثنى عشر بنجاح



بعد كل تلك المغامرات الخارقة استقر هرقل وتزوج ( ديانيرا ) زوجته الثالثة ، والتى حارب من أجلها أله النهر(أجيلوس (و بعد أن قتله إنتزع أحد قرونه و أعطاه لأحد الحوريات فحولته إلى قرن خصب

بعد أن تزوجوا كان عليهما عبور أحد الأنهار، وعرض أحد القناطير إسمه (نيسوس) أن يساعد (ديانيرا) و لكنه حاول إغتصابها . و بغضب ضرب (هرقل) القنطور من الشاطئ الأخر بسهم مسمم فقتله 



وبينما هو يحتضر خطط للإنتقام وأخبر (ديانيرا) أنها يجب أن تجمع دمه ثم تعيد سكبه على أى من مقتنيات (هرقل) إذا ما أحست ان حبه لها بدأ يخفت ، لأن دمه سيثير حب زوجها لها إذا إرتداه ، وإن كانت تريد منع (هرقل) من إقامة علاقات مع نساء أخريات ، فعليها فعل ما أخبرها به

و كان(نيسوس) يعلم أن دمه أصبح مسمم و سيحرق جلد أى من يلمسه. 

لاحقا عندما شكت (ديانيرا) أن (هرقل) مولع بـ(أيول) ، وضعت قميصه فى خليط الدم كما قال لها (نسيوس) . 

و عندما أحضر خادمه (ليشس) له القميص وضعه عليه ، وفورا ، أحس بالآلم ، كان القميص يحترق عليه ، وكان كلما حاول أن ينتزعة ينتزع اللحم من عظامه وأدرك أنه على وشك الموت

فإختار (هرقل ) موت إختيارى فطلب بناء محرقة له حتى تنتهى معاناته . 

لم يشعل محرقة (هرقل) إلا صديقه (فيلوكتيس) ، ولهذا الأمر تلقى (فيلوكتيس) قوس و أسهم (هرقل) ، والتى إحتاجها اليونانيون فيما بعد ليهزموا الطرواديين فى حرب طروادة

و تحدى (فيلوكتيس) (باريس) و أصابه بسهم مسمم، وبالتالى سم الهيدرة أدى إلى موت (باريس)

وبعدما احترق هرقل ، حمل رماده الى قمة جبل اولمبيا حيث اصبح إله مخلدا وتزوج من (هيبي) ابنة ( هيرا ) زوجة ابيه الإله (زيوس)



وبهذا يعتبر هرقل الشخص الوحيد في الاساطير الاغريقية الذي تحول من إنسان فانٍ إلى إله خالد

وفي نظر فلاسفة الاغريق والرومان ، فإن هرقل كان يعتبر بطلا قديسا اختار الفضيلة على المتعة ، وكابد المشقة على الأرض لكي يتمتع بالخلود مع الآلهة

هناك تعليقان (2):